بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرَّف قَدْر نبيه محمدٍ وَوَقَّره توقيرًا، ونوَّر به الأكوان تنويرًا ، والصلاةُ والسلام على سيّدناَ مُحَمَّد الذي أرسله الله بشيراً ونذيراً، وجعله داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً.
قال سماحة الشيخ الإمام الطاهر بن عاشور من أكبر علماء المغرب العربي رحمه الله تعالى في تحقيق القول في أول من سن الاحتفال بذكرى المولد النبوي
: « وأول من علمته صرف همته إلى الاحتفال باليوم الموافق يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فيما حكاه ابن مرزوق هو القاضي أحمد محمد العزفي السبتي المالكي في أواسط القرن السادس وأوائل السابع واستحسنه جمهور مشيخة المغرب ووصفوه بالمسلك الحسن »، ويأتي رحمه الله بالتحقيق الدقيق والموثق من أقوال العلماء المحققين وفتاواهم المبيحة لإحياء ذكرى المولد قال أبو القاسم البرزلي :
« ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم موسم يُعتَنى به في الحواضر تعظيما له صلى الله عليه وسلم. وكان شأن أهل الخير إحياء ليلة المولد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعونة آله ومساهمتهم والإكثار من الصدقات وأعمال البر، وإغاثة الملهوف، مع ما تستجلبه المسرة من مباح اللهو المرخَّص في مثله بنص السنة. وشاع ذلك في بلاد المغرب والأندلس ولمَّا رحل العلامة أبو الخطَّاب عمر المعروف بابن دِحية البلنسي المالكي رحلته الشهيرة إلى الشرق أول القرن السابع،
واتصل بالملك الجليل مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري ابن زين الدين صاحب إربل.
حسَّن الشيخ للملك التسنن بهذا السنن فرغبت همته في الاتسام بميسم أفاضل الزمن، لذلك أقام في سنة ست وستمائة حفلا عظيما، وأنشأ له ابن دحية كتابا سمّاهُ التنوير بمولد السراجِ المنير، ليُقْرَأَ في ذلك اليوم، وجعل يُعيد قراءته كل عام، تارة في اليوم الثامن، وتارة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول. فهو أوَّل الملوك نَظَّمَ هذا الاحتفال في سلك رُسوم دولته ».
ويُعَرِّفُ بِمَن اعتنى بهذه الذكرى من الملوك والحُكَّامِ في المغرب الأقصى والأوسط والأدنى فيقول : « وأوّل من سلك هذا المسلك من ملوك المغرب السلطان أبو عنان المريني ونحا ذلك النحو السلطان الجليل أبو فارس عبد العزيز بن أحمد الحفصي سلطان تونس وعيَّن لذلك ليلة اثنتي عشرة من ربيع الأول فكم أغدق في تلك الليالي من خيرات وأجرى من عوائد وصلات ثم لحقت بهذه الايالة شدائد ومحن وانطوى من بهجة الدولة الحفصية ذلك البساط الحسن فلم يبق من تلك الرسوم إلا ما ينبعث عن أريحية أهل الطريق أو أصحاب العلوم حتى قيض الله لتجديد ما رث منها وتلقيم ما ذوى من شجرتها وتفرع عنها الأمير السامي الهمة الرامي إلى معالي الأمور عن قوس أراش سهمه الفائز بتعظيم قدر المصطفى المشير الأول أحمد باشا فأمر بإقامة حفلات ليلة المولد ويومه بحاضرة تونس ومدينة القيروان وأجرى لذلك من النفقات ما فيه وفاء بالإحسان وأمر بإطلاق المدافع الحربية من القلاع بنية التسليم على أفضل الرسل على صفة أعظم تحية للملوك في اصطلاح الدول وكتب له العلامة شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم الرياحي في ذكر المولد مختصرا وجاء من بعده الأمير الجليل صارم صقيل والذي كان لأعمال ابن عمه خير ناسق المشير الثالث محمد الصادق فأمر بتعميم الاحتفال بالمولد في جميع مدن الايالة وأجرى لها من مال الدولة عطايا فيها كفاية وفضالة، وكم من لطف خفي حف بهذه البلاد لعله من بركات هذا الاعتناء قال ابن الجوزي: مما جرب من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاحتفال يوم مولده أمان في ذلك العام وبشرى لمن فعله بنيل المرام ».