بيان حقيقة تقبيل الرفاعي لليد المحمدية؛ وشرح قصيد "ولما صفا قلبي" الجيلانية ..--منقول

بيان حقيقة تقبيل الرفاعي لليد المحمدية؛ وشرح قصيد "ولما صفا قلبي" الجيلانية ..
صاحب طرح الموضوع : الاخ حسام النقشبندي -- منتدى روض الرياحين

يدعي كثير من الأخوة الرفاعية تواتر قصة تقبيل يد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عيانا على مرأى جمع غفير من الحجيج عند الحجرة الشريفة، من قبل الرفاعي الكبير قدس سره ..
وهذه الحادثة وبعض أبيات قصيدة "ولما صفا قلبي" للباز الجيلاني قدس سره؛ هي السلاح الأقوى اليوم في يد التيمية المعاصرين اتباع ابن عبد الوهاب النجدي المحيي لشذوذات ومتناقضات منهاج ابن تيمية الحراني غفر الله له، ومن بقي على هذا الاعوجاج من أتباعه وأتباع مجسمة الحنابلة والكرامية ..
فهذين الأمرين أصبحوا قضية تيمية اليوم من الخوارج المعاصرين بنقد الصوفية المعاصرين، وكذلك المتأخرين وبعض المتقدمين ..
لذلك سوف نبين الأمر بالشكل الذي لا يحتمل النقض من القاصرين أهل النقص بالدين ..

والحقيقة أن الحادثة وفق الرواية الرفاعية ضعيفة السند وليست متواترة كما يتوهم رواتها!، أو يروجون لذلك، ففي الشريعة الرواية لا يقبل قول الرواة والشهداء المحبين والمقربين بمن يحبون ويتقربون لأن المحب قد يغالي بينسبه لمحبوبه لشدة حبه له، والمقربين قد يبالغوا لشدة قربهم، حتى ولو كانوا صالحين ..
وأهل مكة أدرى بشعابها إن كانوا منصفين عدول بالنقل، لم تغلبهم جذبة المحبين ..
لذلك يقول يحيى بن سعيد القطان، وهو من كابر النقاد والمحققين بعلم الرواية: ( لم نرى الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث )، ورد في "صحيح مسلم" [ج1/ص: 17] ..
وقال في موضع آخر : ( ما رأيت الكذب في أحد، أكثر منه فيمن ينسب الخير والزهد )، ورد في "الضعفاء الكبير" للعقيلي [ج1/ص: 14]، وفي "الكامل" لابن عدي [ج1/ص: 230] ..
وهنا ليس المقصود الكذب المنبوذ، إنما الكذب المحمود الذي يتوهم به صاحبه ويصدقه دون ميزان العقل، من شدة المحبة التي تفضي إلى المبالغة بالشيء وإخراجه عن حقيقته المثلى! ..
ولكن وفق تقعيد أصول الرواية تقرر في علم الأصول: أن الخبر إذا كان تتوفر الدواعي على نقله بالتواتر، ثم نقل بطريق الآحاد، فهو مقطوع بكذبه! ..
وليس هذا من باب النقد في أصل الحادثة ولكن من باب إرجاعها لقالبها الصحيح وهو أعظم وأجل من القالب الموهوم بكثير من الناحية الصوفية ايضاً لأن التصوف حقائق ومذاقات معنوية، وليست معيونات مادية ..
نقول أولاً الرواية ليست متواترة كما بينا بل ضعيفة جداً وتكاد تكون مكذوبة لدرجة الرد بالمجمل، فقد تفرد بها عراقيان وشاميان، والعراقيان هما تاج الأولياء الباز الأشهب الجيلاني قدس سره؛ وعدي بن مسافر وهو خادم الرفاعي الكبير قدس سره، والشاميان: هما أبي الفرج الفاروثي الواسطي، و وحياة بن قيس الحراني ..

وقد ضعفها سنداً ومتنا الحافظ ابن الصديق الغماري المغربي، حافظ العصر وخلف حافظ الدنيا وشيخ الإسلام بالتحقيق الحديثي ابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى ..
وكذلك ضعفها العلامة الشهيد الدكتور البوطي رحمه الله تعالى ..
وقيل أنها مصطنعة على هذا الوجه ومنسوبة لهؤلاء الأجلاء بالباطل، وفق تحقيق الحافظ الغماري ..
فإن تجاوزنا تحقيق الغماري وقلنا بل هي من رواية من عرف وأجمع على صدقه وعدالته وأعني الإمام الجيلاني دون اصطناع أو تلفيق ..
فهذا يعني أن الوصف المادي فيها له مآل معنوي حقيقي غير ظاهره وهذا ما تعودناه من إشارات كبار الصالحين ..


يتبع ..

ونتابع التحقيق بدرجة مصداقية عموم الحادثة:
فقد أشار الحافظ الغماري إلى عدة أوجه تكذب القصة بصورتها المادية الشائعة في كتابه: "النقد المبرم" من هذه الوجوه:
وجدناه يقو بالوجه الأول التحقيقي: ( وجدناها تحكي خروج اليد الشريفة، من القبر المكرم، أمام جمع يقرب من تسعين ألف رجل، وأن الحرم كاد يميد من الدهشة، وكاد قيامة الناس تقوم، وقام الرحب وقعد، بتكبير الناس وصلاتهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا حادث عظيم، خارق للعادة، شهده عدد كبير من الحجاج، من مختلف الأقطار الإسلامية، فكان الواجب أن يتحدثوا عنه، فيخبر حجازيون ويمنيون ومصريون أنهم شاهدوه، وكذلك غيرهم من الفارسيين والمغربيين والسودانيين والهنديين والأتراك والأكراد وخلافهم، وأن يسجل في تواريخ المدينة المنورة، لكن لا نجد له ذكرا في كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، ولا في اختصاره، خلاصة الوفا، ولا في غيرهما من تواريخها، ولم يذكره السيد عبد القادر الجيلي في كتبه، ولا في دروسه، ولم يذكره الشعراني ي الطبقات، مع حرصه على ذكر ما هو أقل منه ) ؛ ورد في "النقد المبرم" للغماري [ج1/ص: 12] انتهى ..
نقول تعقيباً على قول المحقق الحافظ الغماري رائد زمانه بحرفة التحقيق بالرواية، إضافة لما قال وكيف شهده هذا الجمع، وقد كان جاسيا أما الحجرة الشريفة محجوب عن عدد كبير منهم بالحجرة؟! ..
ولي رجاء وهو أن من أراد أن ينقض نقد الغماري الذي هذا أوله فالينكت في متن التحقيق وليس بمثالب المحقق، فإنه لا يعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله! ..



الوجه الثاني يقول الغماري فيه: ( أن رواة القصة لم يتفقوا على سياقها، بل اختلفوا فيه اختلافا يقضي ببطلانها!، فبينما يقول عز الدين الفاروثي عن الشيخ أحمد الرفاعي: وقف تجاه حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال على رءوس الأشهاد: السلام عليك يا جدي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك السلام يا ولدي، سمع ذلك كل من في المسجد النبوي، إذا بالشيخ عدي بن مسافر وتلميذه على بن موهوب يقولان: كان الشيخ أحمد الرفاعي واقفا تجاه الحجرة الطاهرة، وقد تكلم بكلمات، ضبطها عنه جماعة "يقصد بيتي الشعر"، فما أتم كلامه إلا وقد مدت له يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها ونحن ننظر مع الحاضرين، فلم يذكرا كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سمعه كل من في المسجد النبوي! وهو لا يقل غرابة وعجبا عن خروج اليد الشريفة من القبر، بل هو الذي شجع الشيخ الرفاعي على إنشاء البيتين، فكيف سكتا عنه؟ لا تعليل لذلك إلا أن صانع القصة لم يحسن سبكها، فنسي أن ينسب إلى رواتها لفظا واحدا يتفقون عليه، والمثل يقول: إذا كنت كذوبا فكون ذكورا، ويجوز أن يقال: كان الفاروثي تلميذا للشيخ الرفاعي، يهمه إثبات النسبة النبوية له، فلذلك سمع سلام شيخه، ورد النبي صلى الله عليه وسلم بما يثبت نسبه، بخلاف الشيخ عدي وخادمه، فليسا تلميذين للرفاعي، ولا يعنيهما ثبوت النسب له، فلم يسمعا تلك المحادثة التي سمعها كل من في المسجد النبوي !! ) انتهى ..
نقول تعدد الروايات بألفاظ مرادفة لا تغير المدلول والمعنى لا تبطل الرواية ولكن يبطلها تغير فحوى المعنى أن نقص في سياق المتن بما هو أساس فيها لا يقبل التجاهل ..
واستبعد الحافظ المحقق الغماري الصوفي، أن يكون خطاب الإمام الرفاعي الكبير للسيد الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، بهذا التجرد دون توقير وتعزير يليق بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لأسباب: ( أحدها: أن الأدب المطلوب في الزيارة النبوية أن يقف الزائر في المواجهة الشريفة بخشوع، يقول: السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، إلى آخر ما هو مدون في كتب الفقه، والشيخ الرفاعي ما كان يجهل هذا الأدب، وما كان ليدعه، لأنه من كل الأولياء الحريصين على اتباع آداب الشريعة ..

ثانيها: أن الشيخ الرفاعي كان متواضعا شديد التواضع، يحب الخمول، وعدم الظهور، وطريقة مبني على التواضع، فكيف يقول على رءوس الأشهاد : السلام عليك يا جدي؟!، وهل هذا إلا تفاخر بالنسب ؟ وما كان التفاخر من خلق الرفاعي، ولا حب الظهور في طبعه ..

ثالثها: أن الأدب المراعي بين الأولياء بعضهم مع بعض إذا اجتمعوا: ألا يتقدم صغير منهم على كبير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "كبر كبر"، أي قدم الكبير، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تقدم الشيخ الرفاعي بتلك الكلمة، مع وجود السيد عبد القادر الجيلي، وهو أكبر منه سنا، وأحل مقاما، وأكثر علما وإنتاجا؟ هذا إلى أن الجيلي حسني، والرفاعي حسيني، والعارف الشعراني يقول عن تواضعه وفرد أدبه: ما تصدر قط مجلس، ولا جلس على سجادة تواضعا اهـ ..

وأيضا: فإن الله تعالى يقول { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً } [النور : 63]، أي لا تنادوه، كما ينادي بعضكم بعضا باسمه أو لقبه: يا فلان أو يا أبا فلان، ولكن عظموه ونادوه: يا نبي الله يا رسول الله، ونحو ذلك من ألقاب التعظيم، وكلمة يا جدي أو يا أبي لا تعظيم فيها، بل من الآداب العامة أن الشخص إذا كان أبوه خليفة أو ملكا، فإنه يخاطبه أمام الناس بلقب التعظيم نحو أمير المؤمنين، يأيها الملك، ولا يقول: يا أبي ..

وأيضا: فإن الواقف أمام الحجرة الشريفة يعتريه من هيبة المكان، وجلال الموقف، ما ينسيه نفسه وشرفه وعلمه، فلا يمكنه أن يقول: يا جدي، أو يا أبي، وإنما يهتف بشوق يا رسول الله، يا شفيع المذنبين، يا نبي الرحمة، يا حبيب رب العالمين، جئت أطلب شفاعتك، وأرجو رفدك ..

وأيضا: فإن الصوفية قالوا: ينبغي لمن يدخل على ولي من أولياء الله تعالى أن يتجرد من علمه وشرفه وعلمه، منتظرا ما يفيضه الله عليه، بطريقة ذلك الولي ..

وحطوا: أن أبا الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى، لما أراد الدخول على مولاي عبد السلام بن مشيش قدس سره، اغتسل ونوى التجرد من علمه وعلمه وشرفه فحصل له الفتح الكبير على يد شيخه المذكور "رضي الله عنهما"، وإذا كان هذا بالنسبة لولي من الأولياء، كيفما كانت رتبته في الولاية، فهل يجوز لزائر سيد المرسل وأفضل الخلق أن بذكر علمه أو شرفه؟ ..

وأيضا: فإن الكمل من الأولياء، حين يدخلون المسجد النبوي، لا يتقدمون لزيارة الروضة الشريفة، إلا بإذن خاص من النبي صلى الله عليه وسلم، روينا عن العلامة الشيخ الحطاب شيخ المالكية في وقته: إنه حج مع شيخه القطب عبد المعطي التونسي، قال: فلما وصلنا إلى المسجد النبوي، ودخلنا الباب، صار الشيخ يتقدم خطوة، ويقف، ثم يتقدم خطوة، ويقف، وهكذا حتى وصلنا إلى الحجرة الشريفة، فلما انتهينا من الزيارة سألناه عن سبب توقفه مرة بعد مرة فقال: ( كنت أطلب الأذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم عليه )، فإذا قال: ( تقدم يا عبد المعطي تقدمت ) ) انتهى ..

انظر: في "النقد المبرم" للغماري [ج1/ص: 12 – 18 ] ..

والإمام الحافظ الغماري أكثر ما أصاب، في لقب التوقير لمقام النبوة العلي على الأقل أمام الأشهاد، إن كان هنك حصوصية بالتفرد، وفق الرواية الشائعة! ..
خاصة وأن أبو العلمين كان رأس التواضع والحياء من الله في زمنه ..

والحادثة يمكن وصف حقيقتها الصحيحة من أبيات الشعر التي أنشدها الرفاعي الكبير فيها!، لأنها ثابتة بنسبتها للرفاعي الكبير، لا خلاف حولها ..


يتبع ..

وما أرمي أليه إعادة هذه الحادثة لقالبها الصوفي الصحيح الذي لا يستطيع أن ينكره أحد ..

ولا أعتقد أن أخواننا الرفاعية يمنعون الحق من السطوع وزوال الشبهة عن هذه المسألة موضع نقد المخالف القاصر القرني، التي أحرج بطرحها مشايخ بدرجة دكتوراة أزهرية غير مرة ..
وجعلت لمخالفينا سبقاً في أكثر من موضع ..
فلا بد من سد هذه الذرائع بطريقة علمية، من باب الزود عن صوفيتنا الحقة .. فلا نريد أن يكون الصوفية يرون أبو العلمين أنه ليس بخليفة، ولا أن يأولوه إله ثاني والعياذ بالله إنما الوسطية التي قام عليها الإسلام والتصوف السليم الحق ..
فنحن بمركب واحد هو التصوف وكل له موضعه فلا يحق لأحد أن يخرق موضعه ويغرق الجميع! ..

الرد من : فقر ابو النور : مندى روض الرياحين

بسم الله وبحمده وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله

تعقيباً على ما نقله سيدي حسام الدين النقشبندي :
إن العلامة الشهيد البوطي رضي الله عنه لم يكتف باعلان رجوعه عن الشك في الثبوت السندي لقصة الكرامة الرفاعية تلفزيونياً
لا بل إنه فوق ذلك سجل هذا التراجع على موقع نسيم الشام في فتوى موثقة النسبة له تقبله الله وأسعده بكرامة تصديقه بكرامة الامام الرفاعي رضي الله عنهما
وهذا هو نص الفتوى :

رقم الفتوى 6813
14/11/2010 تقبيل الشيخ الرفاعي ليد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله أتمنى عليكم توجيه هذا السؤال لفضيلة مربينا وشيخنا العلامة سعيد رمضان: قرأت سيدي في كتابكم مع الناس بأنكم لم تجدوا هذا الخبر,أي تقبيل اليد, في أي من المصادر التي ترجمت لحياة الشيخ أحمد الرفاعي قدس الله سره, ولكنكم ذكرتم في درس الرسالة القشيرية في يوم الجمعة الماضي هذه الحادثة,فكيف نحل هذا الإشكال؟أرجو ألا تنسونا من صالح دعائكم

أجاب عنه: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
بعد أن كنت غير مطّلع على المصدر الذي يمكن أن يعتمد عليه فيما روي من تقبيل السيّد أحمد الرفاعي ليد رسول الله يقظةً وجهاراً, رأيت المصدر الذي كنت أبحث عنه في مقدّمة كتاب البرهان المؤيّد لسيدي الشيخ أحمد الرفاعي, وهو مصدر معتمد لا يبقى أيّ شكّ في الأمر. والكتاب معروف وموجود.
اضغط على الرابط تحت

فتوى   تقبيل الشيخ الرفاعي ليد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم