يسبر كتاب "أنا سلفي" غور التجربة السلفية، معتمدا على روايات تحكي تجارب أصحابها الذاتية، وتجيب على أسئلة المتعطشين للغوص في الهوية الفكرية لهذا التيار، بجميع تفاصيله الواقعية والمتخيلة، في وقت يرقب العالم فيه تحركات تنظيم "داعش"، النسخة الأخيرة من السلالة السلفية التي تشهد استقطاباً حاداً بين أنصاره وخصومه.
الكتاب جاء في 267 صفحة من القطع المتوسط، ضمن خمسة فصول، ناقش فيه السلفية مارا على ظروف نشأتها وتطور مدارسها فكرا ومنهجا، وعلومها وأبرز دعاتها، في إطار تفسيره رحلة ومسلكيات سلفيين ما تزال عصية على الفهم قبل أن يعرض وبالتفصيل تجارب شباب يروون قصة تعلقهم بهذا الفكر.
وقال مؤلف الكتاب، الباحث الأردني المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان، لوكالة الأناضول، إن "الكتاب يسعى إلى إماطة اللثام عن المجتمع السلفي، وفهم تعقيداته واتجاهاته المختلفة، عبر توفير مادة دسمة تتجاوز الانطباعات السائدة، وتركز على السياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لفهم دوافع السلفيين وتجاربهم".
واستند الكاتب والباحث أبو رمان في كتابه الذي صدر حديثا إلى المنهج السردي، الذي يقدم رصدا دقيقا لتجارب أشخاص خاضوا غمار التجربة السلفية، منهم من لا يزال ناشطا في صفوفها، ومنهم من اختار طريقا آخر مختلفا كليا، مفسحا المجال أمام السلفي لتقديم نفسه ورؤيته لـ"الأنا" و"الآخر" سواء كان هذا "الآخر" فرداً أو فكرة أو مجتمعاً أو جماعة، إسلاميا أو غير إسلامي، بحسب أبو رمان.
وخلص أبو رمان في كتابه إلى أن "الحالة السلفية متغيرة، سواء على صعيد الأفكار، أو حتى على صعيد الممارسة الاجتماعية والسياسية والثقافية، أو حتى على صعيد مدى صلابة الحالة الداخلية للتيارات والمجموعات السلفية، إلى جانب أن منهجه السردي يضعنا أمام تفاصيل أخرى وخيوط جديدة لإدراك الحالة السلفية وفهمها".
وأوضح أن "تقديم التجربة السلفية عبر أفرادها تمنح الفرصة لفهم البنية النفسية والمجتمعية الداخلية وآليات التكيف والتفكير وفهم التحولات والتطورات التي تحدث داخل الحالة نفسها".
ويعرّف أبو رمان، السلفي بأنّه "ذلك الذي يعرّف نفسه بذلك، أي يقول: أنا سلفي، فيكون شعوره بانتمائه للسلفية ذا أولوية مقابل الانتماءات الأخرى، فمن المعروف أنّ السلفية هي في الأصل اتجاه عقائدي وفكري يعود إلى عصور الإسلام الأولى، أو ما يسمى بأهل الحديث، ثم تطوّر هذا الاتجاه مع مساهمات ابن تيمية (661 هـ / 1263م - 728 هـ / 1328م)، وحديثاً محمد بن عبد الوهاب (1115هـ/ 1703م - 1206هـ/ 1791م)، ثم التزاوج بين الدعوة السلفية والدولة السعودية".
ويركّز الكتاب على السلفية، بوصفها اتجاهاً فكرياً وعقائدياً ومجموعات تؤمن بذلك؛ لذلك أخرج من دائرة الاهتمام من لا يعرّف نفسه بالسلفية أو الأفراد الذين لا يشعرون بالانتماء إلى اتجاه فكري سلفي معين.
وعليه قسّم الكتاب الاتجاهات السلفية في الأردن إلى ثلاثة: الاتجاه التقليدي الذي يركّز على العمل الدعوي والتعليمي وتصحيح العقائد وفق استراتيجية تقوم على مبدأ يسمى التصفية والتربية.
والاتجاه الحركي الذي يجمع بين العقائد السلفية والقبول بمبدأ العمل التنظيمي والحركي، بعكس الاتجاه التقليدي الذي يرفض العمل التنظيمي.
وثالثاً التيار السلفي الجهادي الذي يؤمن بإقامة دولة إسلامية لكن عبر الجهاد المسلّح وهو قريب من خط تنظيم "القاعدة".
ويرى المؤلف أن التيار السلفي الجهادي في الأردن انقسم بين اتجاهين رئيسيين، الأول هو اتجاه كبير من جيل الشباب قريب من خط "داعش"، ويمثل امتداداً لتأثير أبي مصعب الزرقاوي على الساحة الأردنية، والثاني وهو جيل الكبار الذي يمثل امتداداً لفكر أبي محمد المقدسي، وهو قريب من جبهة "النصرة" ومؤيد لها.
وتنظيم "داعش" هو تنظيم نشأ في العراق بعيد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وامتد نفوذه إلى سوريا بعد اندلاع الثورة الشعبية فيها مارس/ آذار 2011.
ومنذ أكثر من ثلاثة شهور، يسيطر هذا التنظيم على مناطق واسعة في شرق سوريا وشمال وغرب العراق، وأعلن قبل نحو شهرين عن قيام "دولة الخلافة"، وأعلن زعيمه أبو بكر البغدادي، "خليفة"، مطالبا المسلمين بمبايعته.
فيما تنتمي "جبهة النصرة" للفكر السلفي الجهادي، وتم تشكيلها أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح خلال أشهر من أبرز الجماعات المسلحة المعارضة لنظام بشار الأسد في سوريا.
وهنالك اليوم قرابة 2000 أردني يقاتلون في الخارج منقسمون بين داعش والنصرة، ولا يوجد ارتباط إقليمي واضح بين داعش والنصرة، والسلفيين الجهاديين الأردنيين، وإن كان هنالك تأثير واضح وحضور لافت لفتاوى وأفكار الشيوخ الأردنيين في الساحتين السورية والعراقية، وفقا لـ"أبو رمان".
ويهدف الكتاب إلى إزالة الفجوة المعرفية بين السلفيين عموماً والنخب المثقفة والسياسية التي تعاني من الاختزال والتسطيح وسوء الفهم في علاقتها بالتيار السلفي، وقال أبو رمان إنه "حاولنا هذه المرة تقديم السلفية من الداخل وعبر أحد أهم الأسئلة المفتاحية وهو سؤال الهوية؛ من هو السلفي؟ لماذا أنا سلفي؟ كيف أصبحت سلفياً؟ وذلك من خلال تجارب أفراد انغمسوا في التيار، واندمجوا في هذه الجماعات على ألوانها المختلفة".
ووجد الكتاب إقبالاً جيداً وسريعاً من الكثير من القراء خلال أيام قليلة، وتلقى الكاتب أبو رمان تعليقات وملاحظات كثيرة ولا تزال ردود الفعل تتوالى، بحسب قوله، كما شهد توقيع الكتاب حضوراً كبيراً للمثقفين والإعلاميين والسياسيين وحتى من السلفيين.
وعلى الأغلب ستعاد طباعته ثانية خلال أسابيع قليلة نظراً لحجم الإقبال المتزايد عليه، فضلاً عن الإقبال على النسخة الإلكترونية منه في خارج الأردن، بحسب القائمين على توزيعه.
وبحسب فهد الخيطان الكاتب الصحفي في صحيفة الغد الأردنية (خاصة)، فإن "تنامي القلق من "داعش" يحد من قدرة المقاربات الأمنية والعسكرية في مواجهتها، وتصبح الحاجة ماسة للفهم والمعرفة قبل لحظة المواجهة الحاسمة، وهو ما يوفره الكتاب عن السلفية بكل تياراتها ومشاربها".
وأضاف في تعليقه على أهمية الكتاب للأناضول: "يمنحنا الكتاب فرصة النبش في الداخل السلفي، فالكتاب غني بالتجارب السلفية التي تتحدث عن نفسها، بحيث يصبح عالم السلفية الغامض مادة حوارية فكرية، وسط حالة من التجاذبات بين حلفاء داعش وخصومها".
ومضى قائلاً: "رواية تجارب شبان مع التيارات السلفية المختلفة تكشف عن الظروف التي قادتهم للمساجد ولمجالس الشيوخ، وتسلط الضوء على بيئاتهم الاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في تشكيل وعيهم
لقرائة الكتاب انقر هنا يرجي الرد حتى بكلمة لكي تشاهد الرابط انقر هنا