[
center]
البدعة والأحاديث التي وردت فيها
بقلم السيد المحدث حسن بن علي السقاف العلوي الحسيني
قام الفكر السلفي على الإرهاب الفكري القائم على تحذير الناس من أمور لا توافق مشرب وهوى هذا الفكر بحجة إنه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلاله في النار !! فأشاعوا بين الناس فكرة البدع والتخويف منها وأن الشريعة حذرت منها ليضعوا في قائمة البدع أي أمر لا يريدونه ويكرهون أن يعمل به الناس كالتوسل وزيارة قبور الأنبياء والصالحين ! ونحن هنا نبين فساد هذا الأصل الذي بنوا عليه فكرتهم هذه من جذورها فنقول وبالله تعالى التوفيق :
أهم حديث عند الوهابية في هذا الموضوع حديث العرباض بن سارية : [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .... ] وهو حديث لا يصح وإليك ذلك :
مما اتكأ عليه المتمسلفون في نشر فكرهم الذي يدعون أنه الفكر الإسلامي الصحيح وما سواه باطل حديث العرباض بن سارية وهذا نصه :
روى أبو داود في السنن (4607) وغيره قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ثور بن يزيد ، قال : حدثني خالد بن معدان ، قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر قالا : [ أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين .
فقال العرباض : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودِّع فماذا تعهد إلينا فقال :
(( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) ].
أقول : هذا حديث شامي لا يصح ! في سنده عن العرباض بن سارية : عبد الرحمن بن عمرو بن عبسه السلمي ومدار الحديث عليه ! وهو مجهول وبالتالي ضعيف !
قال ابن حجر في التقريب : مقبول ( أي ضعيف وهذا اصطلاح ابن حجر في كتابه هذا ) ، وقال ابن القطان الفاسي في الوهم والإيهام : مجهول الحال والحديث لا يصح(1) ، وقال ابن رجب الحنبلي : ليس ممن اشتهر بالعلم والرواية ، وذهب الذهبي في الكاشف إلى أنه صدوق !! وهذا لأجل تصحيح حديثه الذي بنى عليه شيخه ابن تيمية مذهبه !
وأما رواية يحيى بن أبي المطاع والمهاصر بن حبيب للحديث عن العرباض فهي رواية منقطعة والحق أنهما روياه عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي فالمدار عليه ! وقد بيَّن ذلك أيضاً أخانا الشيخ حسان عبد المنان المقدسي في رسالة خاصة له في هذا الحديث .
وقد قال الذهبي نفسه في الميزان(2) في ترجمة بن أبي المطاع :
[ وقد استبعد دحيم لقيه للعرباض فلعله أرسل عنه فهذا في الشاميين كثير الوقوع يروون عمن لم يلحقوهم ] .
وأما حديث ابن مسعود فهو موقوف وفيه : ( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) فليس هذا كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد بيَّن ذلك الدارقطني في كتاب العلل (5/323) فقال :
[ 916 : وسئل عن حديث أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب يوم الخميس قائماً يقول يا أيها الناس إنما هما اثنتان الهدى والكلام وأصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ... الحديث بطوله ؟
فقال : يرويه أبو إسحاق واختلف عنه فرواه إدريس الأودي وموسى بن عقبة ورفعا الخطبة كلها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه شعبة وإسرائيل وشريك من كلام عبد الله إلا قوله ألا أنبئكم ما العضة هو النميمة فإنهم رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك قوله إن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقاً .
وقول شعبة ومن تابعه أولى بالصواب ] .
قلت : ولذلك رواه البخاري في الصحيح (7277) موقوفاً على ابن مسعود من قوله .
وأما ما روي عن جابر في صحيح مسلم (867) عن جابر بن عبد الله قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يقول :
(( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهُدَى هُدَى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة )) .
فالكلام عليه أنه : قد رواه النسائي (1311) وليس فيه ذكر البدعة والضلالة وهذا نصه :
[ أخبرنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كان يقول في صلاته بعد التشهد : أحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ] .
ولذلك قال يحيى بن سعيد القطان : ( ولا أعلمه إلا قال : وشر الأمور محدثاتها )(3) أي : أما لفظ : (( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )) فلم يرد وإنما هو من زيادات الرواة ! هكذا نفهم من كلامه !
وأظن أيضاً أن قوله ( ولا أعلمه إلا قال وشر الأمور .. )(4) صوابه :
( ولا أعلمه قال وشر الأمور ... ) لأن رواية النسائي عن يحيى القطان المتقدمة قبل قليل خالية منها وهذا هو فهم النسائي فيما يظهر لنا وهو ما فهمناه ! فتأمل !
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قال لما جمع الناس على صلاة التراويح :
(( نعم البدعة هذه .. ))(5) .
وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: [ البدعة بدعتان : محمودة ومذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم ](6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية :
(1) الذهبي في الميزان (8/146) .
(2) الذهبي في الميزان (7/222) .
(3) انظر مسند أحمد (3/319) وفتح الباري (10/511) .
(4) هكذا وقعت في مسند أحمد (3/319) .
(5) رواه البخاري (2010) ومالك في الموطأ (252) .
(6) ذكره ابن حجر في (( الفتح )) (13/253) وقال أن أبا نعيم أخرجه بمعناه ، ورواه البيهقي في مناقب الشافعي بلفظ آخر .
[/center]
center]
البدعة والأحاديث التي وردت فيها
بقلم السيد المحدث حسن بن علي السقاف العلوي الحسيني
قام الفكر السلفي على الإرهاب الفكري القائم على تحذير الناس من أمور لا توافق مشرب وهوى هذا الفكر بحجة إنه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلاله في النار !! فأشاعوا بين الناس فكرة البدع والتخويف منها وأن الشريعة حذرت منها ليضعوا في قائمة البدع أي أمر لا يريدونه ويكرهون أن يعمل به الناس كالتوسل وزيارة قبور الأنبياء والصالحين ! ونحن هنا نبين فساد هذا الأصل الذي بنوا عليه فكرتهم هذه من جذورها فنقول وبالله تعالى التوفيق :
أهم حديث عند الوهابية في هذا الموضوع حديث العرباض بن سارية : [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين .... ] وهو حديث لا يصح وإليك ذلك :
مما اتكأ عليه المتمسلفون في نشر فكرهم الذي يدعون أنه الفكر الإسلامي الصحيح وما سواه باطل حديث العرباض بن سارية وهذا نصه :
روى أبو داود في السنن (4607) وغيره قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ثور بن يزيد ، قال : حدثني خالد بن معدان ، قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر قالا : [ أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين .
فقال العرباض : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودِّع فماذا تعهد إلينا فقال :
(( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) ].
أقول : هذا حديث شامي لا يصح ! في سنده عن العرباض بن سارية : عبد الرحمن بن عمرو بن عبسه السلمي ومدار الحديث عليه ! وهو مجهول وبالتالي ضعيف !
قال ابن حجر في التقريب : مقبول ( أي ضعيف وهذا اصطلاح ابن حجر في كتابه هذا ) ، وقال ابن القطان الفاسي في الوهم والإيهام : مجهول الحال والحديث لا يصح(1) ، وقال ابن رجب الحنبلي : ليس ممن اشتهر بالعلم والرواية ، وذهب الذهبي في الكاشف إلى أنه صدوق !! وهذا لأجل تصحيح حديثه الذي بنى عليه شيخه ابن تيمية مذهبه !
وأما رواية يحيى بن أبي المطاع والمهاصر بن حبيب للحديث عن العرباض فهي رواية منقطعة والحق أنهما روياه عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي فالمدار عليه ! وقد بيَّن ذلك أيضاً أخانا الشيخ حسان عبد المنان المقدسي في رسالة خاصة له في هذا الحديث .
وقد قال الذهبي نفسه في الميزان(2) في ترجمة بن أبي المطاع :
[ وقد استبعد دحيم لقيه للعرباض فلعله أرسل عنه فهذا في الشاميين كثير الوقوع يروون عمن لم يلحقوهم ] .
وأما حديث ابن مسعود فهو موقوف وفيه : ( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) فليس هذا كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد بيَّن ذلك الدارقطني في كتاب العلل (5/323) فقال :
[ 916 : وسئل عن حديث أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب يوم الخميس قائماً يقول يا أيها الناس إنما هما اثنتان الهدى والكلام وأصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ... الحديث بطوله ؟
فقال : يرويه أبو إسحاق واختلف عنه فرواه إدريس الأودي وموسى بن عقبة ورفعا الخطبة كلها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه شعبة وإسرائيل وشريك من كلام عبد الله إلا قوله ألا أنبئكم ما العضة هو النميمة فإنهم رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك قوله إن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقاً .
وقول شعبة ومن تابعه أولى بالصواب ] .
قلت : ولذلك رواه البخاري في الصحيح (7277) موقوفاً على ابن مسعود من قوله .
وأما ما روي عن جابر في صحيح مسلم (867) عن جابر بن عبد الله قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يقول :
(( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهُدَى هُدَى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة )) .
فالكلام عليه أنه : قد رواه النسائي (1311) وليس فيه ذكر البدعة والضلالة وهذا نصه :
[ أخبرنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كان يقول في صلاته بعد التشهد : أحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ] .
ولذلك قال يحيى بن سعيد القطان : ( ولا أعلمه إلا قال : وشر الأمور محدثاتها )(3) أي : أما لفظ : (( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )) فلم يرد وإنما هو من زيادات الرواة ! هكذا نفهم من كلامه !
وأظن أيضاً أن قوله ( ولا أعلمه إلا قال وشر الأمور .. )(4) صوابه :
( ولا أعلمه قال وشر الأمور ... ) لأن رواية النسائي عن يحيى القطان المتقدمة قبل قليل خالية منها وهذا هو فهم النسائي فيما يظهر لنا وهو ما فهمناه ! فتأمل !
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قال لما جمع الناس على صلاة التراويح :
(( نعم البدعة هذه .. ))(5) .
وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: [ البدعة بدعتان : محمودة ومذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم ](6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية :
(1) الذهبي في الميزان (8/146) .
(2) الذهبي في الميزان (7/222) .
(3) انظر مسند أحمد (3/319) وفتح الباري (10/511) .
(4) هكذا وقعت في مسند أحمد (3/319) .
(5) رواه البخاري (2010) ومالك في الموطأ (252) .
(6) ذكره ابن حجر في (( الفتح )) (13/253) وقال أن أبا نعيم أخرجه بمعناه ، ورواه البيهقي في مناقب الشافعي بلفظ آخر .
[/center]