يسمي سفر الحوالي الصوفية بالخرافيين تأسيساً على كون الكرامة حديث خرافة. وهو في هذا لا يختلف عن الملحدين والوضعيين الذين ينكرون ما وراء العقل العادي، إذ الكرامة أمر خارق للعادة. فإذا قيد العقل نفسه بالعادة أنكر الكرامة، والكرامة ثابتة شرعاً، فيكون منكرها مبتدعاً.
ولا يعرف سفر الحوالي الخرافة ولا يمكنه أن يعرفها ليصادر بها على الكرامة لأن في تعريفها حتفه.
فما أن يبدأ القائل بخرافية الكرامة تعريف الخرافة التي يمكن معها مصادرة الكرامة حتى ينزلق إلى مقولات دهرية كفرية.
لذا سيكتفي سفر بالخرافة عن الحقيقة، أي خرافة كون الكرامة خرافة، لأنه لو حاول التمييز فإما أن يقع في البدعة العقدية كما قدمنا وإما أن يعترف بأن كرامات الأولياء التي يسوقها الصوفية في كتبهم لا تندرج من حيث هي كرامات في مقولة الخرافة.
وليست البدعة فقط هي التي يقع فيها سفر باللازم من تسمية الكرامات خرافات، بل هو واقع في جملة من الأكاذيب كذلك.
وإني ليهولني سكوت الناس على هذا الخارجي الكذاب وعدم نشاط أهل العلم وطلبته لبيان أكاذيبه. نعم نشطوا في الرد على جهله بشان الأشعرية، ولكن لم نر نشاطاً مقارباً في مسائل التصوف الذي يقول عنه هذا الخارجي الفاجر إنه ديانة أخرى غير الإسلام.
والإسلام من قوله براء
فمن أكاذيبه مثلاً عند سوقه كرامة المجذوب الشيخ إبراهيم العريان قوله: "من أئمتهم"، يقصد الصوفية.
وكون الشيخ العريان من أئمة الصوفية أمر لا يعرف وغير ممكن لأن الصوفية أطبقوا على أن المجذوب غير المتدارك بالسلوك لا يصلح للاقتداء أصلاً، والشيخ العريان هو من هذا الباب، وسفر- أظلم الله إسفاره- يتعامى عن هذا الأمر البسيط المعروف، ليجعل الصوفية مقتدين بمن لا يعتد بفعله شرعاً أصلاً.
فإن قيل إن لم يكن إماماً فلم ساق الإمامان الشعراني والمناوي ترجمته في طبقاتهما، قلنا: المناوي من أكابر أهل العلم الظاهرين به، والإمام الشعراني فوقه في العلم ولكنه آثر الظهور بالتصوف والتربية مع جهود معروفة لا ينكرها إلا جاحد في التصوف والفقه والأصول والحديث واللغة.
فهذان الإمامان ممن يعتد بفعلهما في الأصل، فإن ساقا الترجمة فلغرض صحيح، ويكون واجب الباحث هو البحث عن سبب سوقهما لترجمته في طبقاتهما.
والمناوي في هذه المسألة مقلد للإمام الشعراني ناقل عنه، فيكون الجواب عن الإمام الشعراني ثم الصوفية والعلماء الذين لم ينكروا عليه ذلك الصنيع وقت تأليف الطبقات وبعد تأليفها وغيرها من كتبه كالأئمة الأعلام الذي جاءوا بعده وأثنوا عليه وهم فوق الحصر.
والسبب في هذا أن الأولين جروا على الترجمة في كتبهم للمولهين وعقلاء المجانين، وقد ظهر التوله في التابعين الذين عانوا الصعق عند سماع بعض الآيات كما ذكر ذلك ابن تيمية في فتاواه عند الحديث عن عقلاء المجانين ثم مروراً بأمثال بهلول المجذوب إلى طبقة سيدي قضيب البان الموصلي الذي أثنى عليه سيدي عبد القادر الجيلاني ثم كتب أهل التراجم للقرون التالية كالذهبي وابن حجر والسخاوي وغيرهم.
وحيث إن من الأولياء جنساً يسمى المجاذيب وكان يسمى قبل ذلك بعقلاء المجانين أو المولهين أو البهاليل، فقد درج الإمام الشعراني على ما درج عليه ابن الجوزي والذهبي والسخاوي والقشيري ممن ترجم لهم.
وفي طبقات الإمام الشعراني نفسه وغيره من كتبه أن هؤلاء لا يقتدى بفعلهم ولا ينكر عليهم إحساناً للظن خاصة إذا تقدم منهم صلاح واستقامة.