مشاركةبواسطة العبد الفقير » الخميس 11 رجب 1425هـ/26 أغسطس 2004م/18:08
الحمد لله الذي وفقنا لما كلّفنا ففاهت ألسنتنا بحمده، وكان ذلك من محض كرمه،
والصلاة والسلام على شفيعنا السيّد الأعظم أشرف المرسلين محمّد الذي منّ الله علينا برسالته وكتَبَنا بقلم فضله من أمّته وخدمه،
ورضي الله عن العِترة والقرابة والوزراء الأقربين، وجميع الصحابة والأولياء العارفين، والعلماء العاملين،
والسلام علينا وعلى عباده الصالحين،
أمّا بعد أي سادة:
(من أقوال سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه)
صورة
الشيخ خالد أبو البهاء ضياء الدين النقشبندي ^رض^
"الدمشقي إقامة إمام العصر، وغرة الشام ومصر، من قلد جيد الزمان بقلائد بره وإحسانه، وقيد السنة الثناء عن غير شكر نعمته وامتنانه، أعظم العلماء قدرا، وأعلاهم شهرة وذكرا، لو نطق للسان الليل لقال إنه البدر بلا مين، أو لسان النهار لقال بأنه الشمس التي تجلى نورها في المشرقين والمغربين، خلاصة العباد من العباد، وصفوة أهل الزهادة والإرشاد، سلطان ذوي العرفان، ودليل أهل الذوق والوجدان، كأن لسان زمانه يقول فيه بملء فيه:
يا من له في الناس ذكر سائر = كالشمس يشرق نورها وتجول
ومواهب حضرية سيارة = لا ينقضي سفر لها ورحيل
وخلائق كالروض رق نسيمه = فسرى وذيل قميصه مبلول
وتلاوة يجلي الدجى أنوارها = قد زانها الترتيب والترتيل
وإذا تهجد في الظلام حسبته = من نور غرته له قنديل
ملأت لطائف بره أوقاته = فزمانه عن غيره مشغول
هذا هو الشرف الذي لا يدعى = هيهات ما كل الرجال فحول
أيامه كست الزمان محاسناً = فكأنها غرر له وحجول
نفقت لديه سوق كل فضيلة = والفضل في هذا الزمان فضول
فلعمري لقد شاد ربوع الطريقة وأقام أود متونها، وزاد في بيان مشكلات الشريعة وعانى رمد عيونها، ولقد ترجمه صوفي الزمان، ومرشد الأوان، خليفته المنسوب إليه، العلامة المرشد الشيخ محمد الخاني رحمة الله عليه، في كتابه البهجة السنية، في آداب الطريقة الخالدية، ناقلاً عن الحديقة، قال: اعلم أن شيخنا هو أبو البهاء ذو الجناحين، ضياء الدين حضرة مولانا الشيخ خالد الشهرزوري الأشعري عقيدة، الشافعي مذهبا، النقشبندي المجددي طريقة ومشربا، القادري السهروردي الكبروي الجشتي إجازة، ابن أحمد بن حسين العثماني نسباً، ينتهي نسبه إلى الولي الكامل بير ميكائيل صاحب الأصابع الست المشهور بين الأكراد بشش انكشت، يعني ست أصابع، لأن خلقة أصابعه كانت هكذا. وهذا الولي معروف الانتساب إلى الخليفة الثالث منبع الإحسان والحياء ذي النورين عثمان بن عفان الأموي القرشي رضي الله تعالى عنه." اهـ
والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
"العالم العلامة، والعلم الفهامة، مالك أزمة المنطوق والمفهوم، ذو اليد الطولى في العلوم، من صرف ونحو وفقه ومنطق ووضع وعروض ومناظرة وبلاغة وبديع وحكمة وكلام وأصول وحساب، وهندسة واصطرلاب، وهيئة وحديث وتصوف، العارف المسلك مربي المريدين، ومرشد السالكين، ومحط رجال الوافدين، وأمه ينتهي نسبها إلى الولي الكامل الفاطمي بير خضر المعروف النسب والحال بين الأكراد قدس سره.
ولد رضي الله عنه سنة ألف ومائة وتسعين تقريباً بقصبة قره داغ من أكبر سناجق بابان، وهي عن السليمانية نحو خمسة أميال تشتمل على مدارس، وتكتنفها الحدائق، وتنبع فيها عيون عذبة السلسال، ونشأ فيها وقرأ ببعض مدارسها القرآن، والمحرر للإمام الرافعي في فقه الشافعية، ومتن الزنجاني في الصرف وشيئاً من النحو، وبرع في النثر والنظم قبل بلوغ الحلم، مع تدريب لنفسه على الزهد والجوع والسهر والعفة التجريد والانقطاع على أقدم أهل الصفة.
ثم رحل لطلب العلم إلى النواحي الشاسعة، وقرأ فيها كثيراً من العلوم النافعة، ورجع إلى نواحي وطنه، فقرأ فيها على العالم العامل، والنحرير الفاضل، ذي الأخلاق الحميدة، والمناقب السديدة، السيد الشيخ عبد الكريم البرزنجي رحمه الله تعالى، وعلى العالم المحقق الملا محمد صالح، وعلى العالم المحقق الملا إبراهيم البياري، والعالم المدقق السيد الشيخ عبد الرحيم البرزنجي أخي الشيخ عبد الكريم، والعالم الفاضل الشيخ عبد الله الخرباني.
ثم رحل إلى نواحي كوى وحرير، وقرأ شرح الجلال على تهذيب المنطق بحواشيه على العالم الذكي، والنحرير الألمعي، الملا عبد الرحيم الزيادي المعروف بملا زاده. وأخذ في تلك النواحي غير ذلك عن غيره فعاد إلى قصبة كوى، للأخذ عن العالم العامل، الورع الكامل، ذي الفضل الجلي، الملا عبد الرحمن الجلي، رحمه الله تعالى، فصادفه مريضاً مرضه الذي توفي فيه.
ورجع إلى السليمانية ثانياً فقرأ فيها وفي نواحيها الشمسية والمطول والحكمة والكلام وغير ذلك، وقدم بغداد وقرأ فيها مختصر المنتهى في الأصول، ورجع إلى محله المأهول، وحيث حل من المدارس، كان فيها الأتقى الأورع السابق في ميادين التحقيق كل فارس، لا يسأل عن مسئلة من العلوم الرسمية إلا ويجيب بأحسن جواب، ولا يمتحن بغويصة من تحفة ابن حجر أو تفسير البيضاوي إلا ويكشف عن وجوه خرائد الفوائد النقاب، وهو يستفيد ويفيد، ويقرر ويحرر فيجيد، إلى إنصاف وذكاء خارق، وقوة حافظة بذهن حاذق، ومهما دقق في درسه على ما يريد، يعز أساتذته عن إرضاء ذهنه القائل لسان حاله هل من مزيد، وطال ما ألقى السؤال، واستشكل الإشكال، فلم يكن المجيب إلا هو بأبدع منوال، هذا مع تصاغره لدى الأساتذة والأقران، وتجاهله عن كثير من المسائل مع العرفان، حتى أنه يقرأ من الكتب الصعبة ما لم يصل إذ ذاك إلى قراءته، بتحقيق يتحير فيه أهل مادته، فاشتهر خارق علمه، وطار إلى الأقطار صيت تقواه وذكائه وفهمه، إلى أن رغب بعض الأمراء في نصبه مدرساً قبل التكميل في إحدى المدارس، وأن يوظف له وظائف ويخصه بالنفائس، فلم يجبه إلى هذا المرام، زهداً فيما لديه من الحطام، قائلاً إني الآن لست من أهل هذا المقام،
فرحل بعدها إلى سندج ونواحيها وقرأ فيها العلوم الحسابية والهندسية، والاصطرلابية والفلكية، على العالم المدقق جغميني عصره، وقوشجي مصره، من في إشارته شفاء كل داء، ونجاة كل عليل بالجهل سقيم، الشيخ محمد قسيم النندجي، وكمل عليه المادة، على العادة، فرجع إلى وطنه قاضي الأوطار، وصيته إلى أقصى الأقطار طار، فولي بعد الطاعون الواقع في السليمانية عام ألف ومائتين وثلاثة عشر تدريس مدرسة أجل أشياخه المتوفين بالطاعون المذكور السيد عبد الكريم البرزنجي، فشرع يدرس في العلوم، وينشر المنطوق منها والمفهوم، غير راكن إلى الدنيا ولا إلى أهلها، مقبلاً على الله تعالى متبتلاً إليه بأصناف العبادات فرضها ونفلها، لا يتردد إلى الحكام، ولا يحابي أحداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ الأحكام، لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو نافذ الكلمة محمود السيرة يأخذ بالعزائمن حتى صار محسود صنفه، عزيزاً في وصفه، مع الصبر
على الفقر والقناعة، واستغراق الأوقات بالإفادة والطاعة،" اهـ
"العالم العلامة، والعلم الفهامة، مالك أزمة المنطوق والمفهوم، ذو اليد الطولى في العلوم، من صرف ونحو وفقه ومنطق ووضع وعروض ومناظرة وبلاغة وبديع وحكمة وكلام وأصول وحساب، وهندسة واصطرلاب، وهيئة وحديث وتصوف، العارف المسلك مربي المريدين، ومرشد السالكين، ومحط رجال الوافدين، وأمه ينتهي نسبها إلى الولي الكامل الفاطمي بير خضر المعروف النسب والحال بين الأكراد قدس سره.
ولد رضي الله عنه سنة ألف ومائة وتسعين تقريباً بقصبة قره داغ من أكبر سناجق بابان، وهي عن السليمانية نحو خمسة أميال تشتمل على مدارس، وتكتنفها الحدائق، وتنبع فيها عيون عذبة السلسال، ونشأ فيها وقرأ ببعض مدارسها القرآن، والمحرر للإمام الرافعي في فقه الشافعية، ومتن الزنجاني في الصرف وشيئاً من النحو، وبرع في النثر والنظم قبل بلوغ الحلم، مع تدريب لنفسه على الزهد والجوع والسهر والعفة التجريد والانقطاع على أقدم أهل الصفة.
ثم رحل لطلب العلم إلى النواحي الشاسعة، وقرأ فيها كثيراً من العلوم النافعة، ورجع إلى نواحي وطنه، فقرأ فيها على العالم العامل، والنحرير الفاضل، ذي الأخلاق الحميدة، والمناقب السديدة، السيد الشيخ عبد الكريم البرزنجي رحمه الله تعالى، وعلى العالم المحقق الملا محمد صالح، وعلى العالم المحقق الملا إبراهيم البياري، والعالم المدقق السيد الشيخ عبد الرحيم البرزنجي أخي الشيخ عبد الكريم، والعالم الفاضل الشيخ عبد الله الخرباني.
ثم رحل إلى نواحي كوى وحرير، وقرأ شرح الجلال على تهذيب المنطق بحواشيه على العالم الذكي، والنحرير الألمعي، الملا عبد الرحيم الزيادي المعروف بملا زاده. وأخذ في تلك النواحي غير ذلك عن غيره فعاد إلى قصبة كوى، للأخذ عن العالم العامل، الورع الكامل، ذي الفضل الجلي، الملا عبد الرحمن الجلي، رحمه الله تعالى، فصادفه مريضاً مرضه الذي توفي فيه.
ورجع إلى السليمانية ثانياً فقرأ فيها وفي نواحيها الشمسية والمطول والحكمة والكلام وغير ذلك، وقدم بغداد وقرأ فيها مختصر المنتهى في الأصول، ورجع إلى محله المأهول، وحيث حل من المدارس، كان فيها الأتقى الأورع السابق في ميادين التحقيق كل فارس، لا يسأل عن مسئلة من العلوم الرسمية إلا ويجيب بأحسن جواب، ولا يمتحن بغويصة من تحفة ابن حجر أو تفسير البيضاوي إلا ويكشف عن وجوه خرائد الفوائد النقاب، وهو يستفيد ويفيد، ويقرر ويحرر فيجيد، إلى إنصاف وذكاء خارق، وقوة حافظة بذهن حاذق، ومهما دقق في درسه على ما يريد، يعز أساتذته عن إرضاء ذهنه القائل لسان حاله هل من مزيد، وطال ما ألقى السؤال، واستشكل الإشكال، فلم يكن المجيب إلا هو بأبدع منوال، هذا مع تصاغره لدى الأساتذة والأقران، وتجاهله عن كثير من المسائل مع العرفان، حتى أنه يقرأ من الكتب الصعبة ما لم يصل إذ ذاك إلى قراءته، بتحقيق يتحير فيه أهل مادته، فاشتهر خارق علمه، وطار إلى الأقطار صيت تقواه وذكائه وفهمه، إلى أن رغب بعض الأمراء في نصبه مدرساً قبل التكميل في إحدى المدارس، وأن يوظف له وظائف ويخصه بالنفائس، فلم يجبه إلى هذا المرام، زهداً فيما لديه من الحطام، قائلاً إني الآن لست من أهل هذا المقام،
فرحل بعدها إلى سندج ونواحيها وقرأ فيها العلوم الحسابية والهندسية، والاصطرلابية والفلكية، على العالم المدقق جغميني عصره، وقوشجي مصره، من في إشارته شفاء كل داء، ونجاة كل عليل بالجهل سقيم، الشيخ محمد قسيم النندجي، وكمل عليه المادة، على العادة، فرجع إلى وطنه قاضي الأوطار، وصيته إلى أقصى الأقطار طار، فولي بعد الطاعون الواقع في السليمانية عام ألف ومائتين وثلاثة عشر تدريس مدرسة أجل أشياخه المتوفين بالطاعون المذكور السيد عبد الكريم البرزنجي، فشرع يدرس في العلوم، وينشر المنطوق منها والمفهوم، غير راكن إلى الدنيا ولا إلى أهلها، مقبلاً على الله تعالى متبتلاً إليه بأصناف العبادات فرضها ونفلها، لا يتردد إلى الحكام، ولا يحابي أحداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ الأحكام، لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو نافذ الكلمة محمود السيرة يأخذ بالعزائمن حتى صار محسود صنفه، عزيزاً في وصفه، مع الصبر
مشاركةبواسطة العبد الفقير » الخميس 11 رجب 1425هـ/26 أغسطس 2004م/18:19
[align=center]^بسملة^
الحمد لله الذي وفقنا لما كلّفنا ففاهت ألسنتنا بحمده، وكان ذلك من محض كرمه،
والصلاة والسلام على شفيعنا السيّد الأعظم أشرف المرسلين محمّد الذي منّ الله علينا برسالته وكتَبَنا بقلم فضله من أمّته وخدمه،
ورضي الله عن العِترة والقرابة والوزراء الأقربين، وجميع الصحابة والأولياء العارفين، والعلماء العاملين،
والسلام علينا وعلى عباده الصالحين،
أمّا بعد أي سادة:
(من أقوال سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه)
صورة
[/align]
"إلى أن جذبه سنة ألف ومائتين وعشرين شوق الحج إلى بيت الله الحرام، وتوق زيارة روضة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، فتجرد عن العلائق، وخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله الصادق، فرحل هذه الرحلة الحجازية من طريق الموصل وديار بكر والرها وحلب والشام، واجتمع بعلمائها الأعلام، وصحب في الشام ذهاباً وإياباً العالم الهمام، شيخ القديم والحديث، ومدرس دار الحديث، الشيخ محمد الكزبري رحمه الله تعالى وسمع منه وأخذ عليه، فقربه وقر به عيناً وفاز بما لديه من علو الإسناد، وإجازات المسلسلة الجليلة المفاد، وصحب تلميذه كذلك الأخص الأصفى الشيخ مصطفى الكردي متع الله الطلاب بطول حياته، فأجازه لشيخه بأشياء، منها الطريقة العلية القادرية، فخرج منها على جادة العزائم بأحسن قدم، يطعم ولا يطعم، فوصل المدينة المنورة، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم بقصائد فارسية بليغة محررة، ومكث فيها قدر ما يمكث الحاج، وصار حمامة ذلك المسجد الوهاج،
قال وكنت أفتش على أحد من الصالحين، لأتبرك ببعض نصائحه لعلي أعمل بها كل حين، فلقيت
شيخاً يمنياً متربضا، عالماً عاملاً صاحب استقامة وارتضا، فاستنصحته استنصاح الجاهل المقصر، من العالم المستبصر، فنصحني بأمور، منها: لا تبادر بالإنكار في مكة على ما ترى ظاهره يخالف الشريعة، فلما وصلت إلى الحرم المكي الشريف وأنا مصمم على العمل بتلك النصيحة البديعة، بكرت يوم الجمعة إلى الحرم، لأكون كمن قدم بدنة من النعم، فجلست إلى الكعبة الشريفة أقرأ الدلائل، إذ رأيت رجلاً ذا لحية سوداء عليه زي العوام قد أسند ظهره إلى الشاذروان ووجهه إلي من غير حائل، فحدثتني نفسي أن هذا الرجل لا يتأدب مع الكعبة، ولم أظهر عتبه، فقال لي يا هذا ما عرفت أن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة فلماذا تعترض على استدباري الكعبة وتوجهي إليك، أما سمعت نصيحة من في المدينة وأكد عليك، فلم أشك في أنه من أكابر الأولياء، وقد تستر بأمثال هذه الأطوار عن الخلق، فانكببت على يديه وسألته العفو وأن يأمرني بدلالته على الحق، فقال لي فتوحك لا يكون في هذه الديار، وأشار بيده إلى الديار الهندية، وقال تأتيك إشارة من هناك فيكون فتوحك في هاتيك الأقطار، فأيست من تحصيل شيخ في الحرمين يرشدني إلى المرام، ورجعت بعد قضاء المناسك إلى الشام، انتهى.
فاجتمع ثانياً بعلمائها، وحل في قلوبهم محل سويدائها، فأتى إلى وطنه بعد قضاء وطره بالبركات، وباشر تدريسه بزيادة على زهده الأول وعدة الحسنات الأول سيئات، مستقيماً على أحسن الأحوال، متشوقاً إلى مرشد يسلك عنده طريق فحول الرجال، إلى أن أتى السليمانية شخص هندي من مريدي شيخه الآتي وصفه، فاجتمع به وأظهر احتراقه واشتياقه لمرشد كامل يسعفه، فقال الهندي إن لي شيخاً كاملا، مرشداً عالماً عاملاً، عارفاً بمنازل السائرين إلى ملك الملوك، خبيراً بدقائق الإرشاد والسلوك، نقشبندي الطريقة، محمدي الأخلاق علماً في علم الحقيقة، فسر معي حتى نسعى إلى خدمته في جهان أباد، وقد سمعت إشارة بوصول مثلك هناك إلى المراد، فانتقش القول في قلبه، وأخذ بمجامع لبه، وعزم على المسير بالتجريد تاركاً منصب التدريس والوظائف،
فرحل سنة ألف ومائتين وأربع وعشرين الرحلة الأخرى الهندية من طريق الري، يطوي بأيدي العيس بساط البيداء أسرع طي، فوصل طهران، وبعض بلاد إيران، والتقى مع مجتهدهم المتضلع بضبط المتون والشروح والحواشي، إسماعيل الكاشي، فجرى بينهما البحث الطويل، بمحضر من جمهور طلبة إسماعيل، فأفحمه إفحاماً أسكته، وأنطق طلبته، بأن ليس لنا من دليل، وقد أشار إلى هذه الواقعة في قصيدته العربية، متخلصاً لمدح شيخه الآتية أوصافه العذبية، ثم دخل بسطام وخرقان وسمنان ونيسابور، وزار إمام الطريق البحر الطامي، الشيخ أبا يزيد البسطامي، قدس سره، ومدحه بمنظومة فارسية، وزار في تلك البلاد، من الأولياء الأمجاد، حتى وصل طوس، وزار بها مشهد السيد الجليل المأنوس، نور حدقة البتول والمرتضى، الإمام علي الرضا، ومدحه بقصيدة غراء فارسية، أذعن لها الشعراء الطوسية ولظهور البدع فيها عجل الارتحال والقيام، إلى تربة شيخ مشايخ الجام، شيخ الإسلام، الشيخ أحمد النامقي الجامقي، فزاره ومدحه بمقطوعة فارسية بديعة فدخل بعدها بلدة هراة من بلاد الأفغان، واجتمع مع علمائها بالجامع فجاوره في ميدان الامتحان، فوجدوه بحراً لا ساحل له، وأقر كل منهم بالفضل له، فانثنى يحل لهم ما أشكل عليهم من المسائل بأبلغ مقال، ولما رحل عنهم ودعوه بمسير أميال، لما شاهدوه فيه من بديع الحال، فسار في مفاوز يضل فيها القطا، ويخفق قلب الأسد مخافة خوارج الأفغان المقتحمين مهالك السطا، حتى وصل قندهار وكابل، فاجتمع بجمع غفير من علماء البلد المذكور وامتحنوه بمسائل، من علم الكلام وغيره فرأوه فيها كالسيل الهائل، والغيث الهاطل، "
ثم رحل إلى بلد لاهور فسار منها حتى وصل إلى قصبة فيها العالم النحرير، والولي الكبير، أخو شيخه في الطريقة والإنابة إلى مولاه، الشيخ المعمر المولى ثناء الله النقشبندي، فطلب منه الإمداد بالدعاء، قال فبت في تلك القصبة ليلة فرأيته في واقعة أنه قد جذبني من خدي بأسنانه المباركة يجرني إليه وأنا لا أنجر، فلما أصبحت ولقيته قال لي من غير أن أقص عليه الرؤيا سر على بركة الله تعالى إلى خدمة أخينا وسيدنا الشيخ عبد الله مشيراً إلى أن فتوحي سيكون عند الشيخ المقصود، وهناك تؤخذ المواثيق والعهود، وتنجز الوعود، فعرفت أنه قد أعمل همته الباطنية العلية ليجذبني إليه، فلم يتيسر لقوة جاذبة شيخي المحول فتحي عليه،
فرحلت من تلك القصبة أقطع الأنجاد والوهاد، إلى أن وصلت دار السلطنة الهندية، وهي المعروفة بجهان أباد بمسير سنة كاملة، ولقد أدركتني نفحاته وإشاراته قبل وصول بنحو أربعين مرحلة، وهو أخبر قبل ذلك بعض خواص أصحابه بوفودي إلى أعتاب قبابه، وليلة دخوله على جهان أباد أنشأ قصيدته العربية الطنانة من بحر الكامل يذكر فيها وقائع السفر، ويتخلص لمدح شيخه قدس الله سره الأنور، ويستعطفه سائلاً من الله القبول، شاكراً له على الوصول، مطلعها:
كملت مسافة كعبة الآمال = حمداً لمن قد من بالإكمال
وأراح مركبي الطريح من السرى = ومن اعتوار الحط والترحال
وأزاح عني قيد حب مواطني = وعلاقة الأحباب والأموال
وهموم أمهتي وحسرة إخواتي = وغموم عم أو خبال الخال
وتشاحن الأقران في رتب العلا = وملامة الحساد والعذال
وأعاذني من فرقة أفاكة = وأجارني من أمة جهال
أعني روافض أذربيجان الألى = هم أشنع المخلوق في الأفعال
ومضلها الكاشي إسماعيل إذ = قد حار لما شاب نار جدال
سحقاً له من مدع متزخرف = بعدالة من منكر مضلال
وغلاة فرس في حديث مسند = قد بشروا بإطاعة الدجال
وشرار أهل الطوس من سموا الرضا = ونفوسهم سموا أحبة آل
وفساد قطاع الطريق بخيبر = ومن المجوس وما لهم من وال
منعوا الأذان رعاية الإسلام إذ = ضلوا وخاضوا أبحر الإضلال
يتبع