بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على الهادي الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
لا شك أن الكرامات ما هي إلا ثمرات يسيرة من ثمرات المجاهدات والصدق والإخلاص لله تعالى وليست هدفاً للأولياء الصالحين بل لو كانت هدفاً لما نالوا الكرامات .ولكن الكرامة فضل من الله تعالى يؤتيه أولياء الله تعالى محبة لهم ونصرة لهم دون أن تلتفت قلوبهم لها ولا تتعلق بها .
وحيث أن بعض من المسلمين صار ينكر الكرامات جهلاً منه ولأنه يقيس المخلصين الصادقين على نفسه ويقارن أحوالهم العلية بأحواله الضعيفة المتردية فكان لابد من بيان مفيد لهذه المسألة ولذا نقلت كلام إمام جهبذ من أئمة المسلمين يكتفي به المنصف والله الموفق .
قال الإمام الرازي في تفسيره أثناء تفسير الآية التاسعة من سورة الكهف ما نصه:
الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرآن والأخبار والآثار والمعقول .
أما القرآن فالمعتمد فيه عندنا آيات :
الحجة الأولى : قصة مريم عليها السلام ، وقد شرحناها في سورة آل عمران فلا نعيدها .
الحجة الثانية : قصة أصحاب الكهف وبقاؤهم في النوم أحياء سالمين عن الآفات مدة ثلثمائة سنة وتسع سنين وأنه تعالى كان يعصمهم من حر الشمس كما قال : { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } [ الكهف : 18 ] إلى قوله : { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين } [ الكهف : 17 ] ومن الناس من تمسك في هذه المسألة بقوله تعالى : { قال الذى عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } [ النمل : 39 ] وقد بينا أن ذلك الذي كان عنده علم من الكتاب هو سليمان فسقط هذا الاستدلال . أجاب القاضي عنه بأن قال : لا بد من أن يكون فيهم أو في ذلك الزمان نبي يصير ذلك علما له لما فيه من نقض العادة كسائر المعجزات ، قلنا : إنه يستحيل أن تكون هذه الواقعة معجزة لأحد من الأنبياء لأن إقدامهم على النوم أمر غير خارق للعادة حتى يجعل ذلك معجزة لأن الناس لا يصدقونه في هذه الواقعة لأنهم لا يعرفون كونهم صادقين في هذه الدعوى إلا إذا بقوا طول هذه المدة وعرفوا أن هؤلاء الذين جاؤوا في هذا الوقت هم الذين ناموا قبل ذلك بثلثمائة سنين وتسع سنين وكل هذه الشرائط لم توجد فامتنع جعل هذه الواقعة معجزة لأحد من الأنبياء فلم يبق إلا أن تجعل كرامة للأولياء وإحسانا إليهم .
أما الأخبار فكثيرة : الخبر الأول : ما أخرج في «الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم عليه السلام وصبي في زمن جريج الناسك وصبي آخر ، أما عيسى فقد عرفتموه ، وأما جريج فكان رجلا عابدا ببني إسرائيل وكانت له أم فكان يوما يصلي إذ اشتاقت إليه أمه فقالت : يا جريج فقال يا رب الصلاة خير أم رؤيتها ثم صلى فدعته ثانيا فقال مثل ذلك حتى قال ثلاث مرات وكان يصلي ويدعها فاشتد ذلك على أمه قالت : اللهم لا تمته حتى تريه المومسات ، وكانت زانية هناك فقالت لهم : أنا أفتن جريجا حتى يزني فأتته فلم تقدر على شيء ، وكان هناك راع يأوي بالليل إلى أصل صومعته قلما أعياها راودت الراعي على نفسها فأتاها فولدت ثم قالت ولدي هذا من جريج فأتاها بنو إسرائيل وكسروا صومعته وشتموه فصلى ودعا ثم نخس الغلام قال أبو هريرة : كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قال بيده يا غلام من أبوك؟ فقال : الراعي فندم القوم على ما كان منهم واعتذروا إليه . وقالوا : نبني صومعتك من ذهب أو فضة فأبى عليهم ، وبناها كما كانت ، وأما الصبي الآخر فإن امرأة كان معها صبي لها ترضعه إذ مر بها شاب جميل ذو شارة حسنة فقالت : اللهم اجعل ابني مثل هذا فقال الصبي : اللهم لا تجعلني مثله ثم مرت بها امرأة ذكروا أنها سرقت وزنت وعوقبت فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذا ، فقال الصبي : اللهم اجعلني مثلها . فقالت له أمه في ذلك : فقال إن الشاب كان جبارا من الجبابرة فكرهت أن أكون مثله وإن هذه قيل إنها زنت ولم تزن وقيل إنها سرقت ولم تسرق وهي تقول حسبي الله " الخبر الثاني : وهو خبر الغار وهو مشهور في «الصحاح» عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم فأواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل وسدت عليهم باب الغار فقالوا : والله لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقال رجل منهم : كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما فناما في ظل شجرة يوما فلم أبرح عنهما وحلبت لهما غبوقهما فجئتهما به فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أغبق قبلهما فقمت والقدح في يدي انتظر استيقاظهما حتى ظهر الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت انفراجا لا يستطيعون الخروج منه ، ثم قال الآخر : كانت لي ابنة عم وكانت أحب الناس إلي فراودتها عن نفسها فامتنعت حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني وأعطيتها مالا عظيما على أن تخلي بيني وبين نفسها فلما قدرت عليها قالت : لا يجوز لك أن تفك الخاتم إلا بحقها فتحرجت من ذلك العمل وتركتها وتركت المال معها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين وقال : يا عبد الله أد إلي أجرتي ، فقلت له : كل ما ترى من أجرتك من الإبل والغنم والرقيق فقال : يا عبد الله أتستهزىء بي؟ فقلت : إني لا أستهزىء بك فأخذ ذلك كله اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة عن الغار فخرجوا يمشون "وهذا حديث حسن صحيح متفق عليه .
الخبر الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره " ولم يفرق بين شيء وشيء فيما يقسم به على الله .
الخبر الرابع : روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " بينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه البقرة فقالت : إني لم أخلق لهذا ، وإنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما "
الخبر الخامس : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يسمع رعدا أو صوتا في السحاب : أن اسق حديقة فلان ، قال فعدوت إلى تلك الحديقة فإذا رجل قائم فيها فقلت له ما اسمك؟ قال : فلان بن فلان بن فلان قلت : فما تصنع بحديقتك هذه إذا صرمتها؟ قال : ولم تسأل عن ذلك؟ قلت : لأني سمعت صوتا في السحاب أن اسق حديقة فلان ، قال : أما إذ قلت فإني أجعلها أثلاثا فأجعل لنفسي وأهلي ثلثا وأجعل للمساكين وابن السبيل ثلثا وأنفق عليها ثلثا "
[center]
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على الهادي الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
لا شك أن الكرامات ما هي إلا ثمرات يسيرة من ثمرات المجاهدات والصدق والإخلاص لله تعالى وليست هدفاً للأولياء الصالحين بل لو كانت هدفاً لما نالوا الكرامات .ولكن الكرامة فضل من الله تعالى يؤتيه أولياء الله تعالى محبة لهم ونصرة لهم دون أن تلتفت قلوبهم لها ولا تتعلق بها .
وحيث أن بعض من المسلمين صار ينكر الكرامات جهلاً منه ولأنه يقيس المخلصين الصادقين على نفسه ويقارن أحوالهم العلية بأحواله الضعيفة المتردية فكان لابد من بيان مفيد لهذه المسألة ولذا نقلت كلام إمام جهبذ من أئمة المسلمين يكتفي به المنصف والله الموفق .
قال الإمام الرازي في تفسيره أثناء تفسير الآية التاسعة من سورة الكهف ما نصه:
الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرآن والأخبار والآثار والمعقول .
أما القرآن فالمعتمد فيه عندنا آيات :
الحجة الأولى : قصة مريم عليها السلام ، وقد شرحناها في سورة آل عمران فلا نعيدها .
الحجة الثانية : قصة أصحاب الكهف وبقاؤهم في النوم أحياء سالمين عن الآفات مدة ثلثمائة سنة وتسع سنين وأنه تعالى كان يعصمهم من حر الشمس كما قال : { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } [ الكهف : 18 ] إلى قوله : { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين } [ الكهف : 17 ] ومن الناس من تمسك في هذه المسألة بقوله تعالى : { قال الذى عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } [ النمل : 39 ] وقد بينا أن ذلك الذي كان عنده علم من الكتاب هو سليمان فسقط هذا الاستدلال . أجاب القاضي عنه بأن قال : لا بد من أن يكون فيهم أو في ذلك الزمان نبي يصير ذلك علما له لما فيه من نقض العادة كسائر المعجزات ، قلنا : إنه يستحيل أن تكون هذه الواقعة معجزة لأحد من الأنبياء لأن إقدامهم على النوم أمر غير خارق للعادة حتى يجعل ذلك معجزة لأن الناس لا يصدقونه في هذه الواقعة لأنهم لا يعرفون كونهم صادقين في هذه الدعوى إلا إذا بقوا طول هذه المدة وعرفوا أن هؤلاء الذين جاؤوا في هذا الوقت هم الذين ناموا قبل ذلك بثلثمائة سنين وتسع سنين وكل هذه الشرائط لم توجد فامتنع جعل هذه الواقعة معجزة لأحد من الأنبياء فلم يبق إلا أن تجعل كرامة للأولياء وإحسانا إليهم .
أما الأخبار فكثيرة : الخبر الأول : ما أخرج في «الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم عليه السلام وصبي في زمن جريج الناسك وصبي آخر ، أما عيسى فقد عرفتموه ، وأما جريج فكان رجلا عابدا ببني إسرائيل وكانت له أم فكان يوما يصلي إذ اشتاقت إليه أمه فقالت : يا جريج فقال يا رب الصلاة خير أم رؤيتها ثم صلى فدعته ثانيا فقال مثل ذلك حتى قال ثلاث مرات وكان يصلي ويدعها فاشتد ذلك على أمه قالت : اللهم لا تمته حتى تريه المومسات ، وكانت زانية هناك فقالت لهم : أنا أفتن جريجا حتى يزني فأتته فلم تقدر على شيء ، وكان هناك راع يأوي بالليل إلى أصل صومعته قلما أعياها راودت الراعي على نفسها فأتاها فولدت ثم قالت ولدي هذا من جريج فأتاها بنو إسرائيل وكسروا صومعته وشتموه فصلى ودعا ثم نخس الغلام قال أبو هريرة : كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قال بيده يا غلام من أبوك؟ فقال : الراعي فندم القوم على ما كان منهم واعتذروا إليه . وقالوا : نبني صومعتك من ذهب أو فضة فأبى عليهم ، وبناها كما كانت ، وأما الصبي الآخر فإن امرأة كان معها صبي لها ترضعه إذ مر بها شاب جميل ذو شارة حسنة فقالت : اللهم اجعل ابني مثل هذا فقال الصبي : اللهم لا تجعلني مثله ثم مرت بها امرأة ذكروا أنها سرقت وزنت وعوقبت فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذا ، فقال الصبي : اللهم اجعلني مثلها . فقالت له أمه في ذلك : فقال إن الشاب كان جبارا من الجبابرة فكرهت أن أكون مثله وإن هذه قيل إنها زنت ولم تزن وقيل إنها سرقت ولم تسرق وهي تقول حسبي الله " الخبر الثاني : وهو خبر الغار وهو مشهور في «الصحاح» عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم فأواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل وسدت عليهم باب الغار فقالوا : والله لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقال رجل منهم : كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما فناما في ظل شجرة يوما فلم أبرح عنهما وحلبت لهما غبوقهما فجئتهما به فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أغبق قبلهما فقمت والقدح في يدي انتظر استيقاظهما حتى ظهر الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت انفراجا لا يستطيعون الخروج منه ، ثم قال الآخر : كانت لي ابنة عم وكانت أحب الناس إلي فراودتها عن نفسها فامتنعت حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني وأعطيتها مالا عظيما على أن تخلي بيني وبين نفسها فلما قدرت عليها قالت : لا يجوز لك أن تفك الخاتم إلا بحقها فتحرجت من ذلك العمل وتركتها وتركت المال معها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين وقال : يا عبد الله أد إلي أجرتي ، فقلت له : كل ما ترى من أجرتك من الإبل والغنم والرقيق فقال : يا عبد الله أتستهزىء بي؟ فقلت : إني لا أستهزىء بك فأخذ ذلك كله اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة عن الغار فخرجوا يمشون "وهذا حديث حسن صحيح متفق عليه .
الخبر الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره " ولم يفرق بين شيء وشيء فيما يقسم به على الله .
الخبر الرابع : روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " بينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه البقرة فقالت : إني لم أخلق لهذا ، وإنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما "
الخبر الخامس : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يسمع رعدا أو صوتا في السحاب : أن اسق حديقة فلان ، قال فعدوت إلى تلك الحديقة فإذا رجل قائم فيها فقلت له ما اسمك؟ قال : فلان بن فلان بن فلان قلت : فما تصنع بحديقتك هذه إذا صرمتها؟ قال : ولم تسأل عن ذلك؟ قلت : لأني سمعت صوتا في السحاب أن اسق حديقة فلان ، قال : أما إذ قلت فإني أجعلها أثلاثا فأجعل لنفسي وأهلي ثلثا وأجعل للمساكين وابن السبيل ثلثا وأنفق عليها ثلثا "
[center]